إذا كان اهتمام الرئيس دونالد ترامب بشراء جرينلاند قد تصدّر عناوين الصحف مؤخراً، فثمة موضوع إقليمي أكثر جدية يتم إغفاله إلى حد كبير في القطب الشمالي، ألا وهو خطوة روسيا المقبلة الهادفة إلى تأكيد ملكيتها للقطب الشمالي.
فيوم السبت، أطلقت روسيا صاروخاً قادراً على حمل سلاح نووي من غواصة بالقرب من القطب الشمالي. وهذا أمر استراتيجي وخطير إلى حد كبير، يضيف بعداً آخر إلى منطقة ما فتئت حرارتها ترتفع بأكثر من طريقة.
فبينما يواصل جليد البحر الذوبان، للمرة الأولى منذ أكثر من 100 ألف عام، أخذت طرق ملاحة بحرية مهمة وأساسية أقصر تنفتح وتظهر. وفضلاً عن ذلك، فإن المنطقة القطبية تزخر بموارد ثمينة كثيرة، مثل المعادن النادرة اللازمة للإلكترونيات الحديثة، كما توجد أيضاً احتياطيات مهمة من النفط والغاز الطبيعي والثروة السمكية القطبية.
وتعرّف أراضي المحيط أساساً بتضافر ثلاثة أشياء هي: كتل اليابسة، وأي مناطق ضحلة مجاورة، مثل الجرف القاري، ومناطق اقتصادية حصرية، تمتد عادة على مدى 200 ميل من الساحل. غير أن تداخل تلك الخطوط الممتدة من دول مختلفة يخلق وضعاً معقداً؛ إذ تمثّل الخطوط المتقاطعة في القطب الشمالي مكاناً محتملاً رئيسياً للنزاعات الترابية. ذلك أن روسيا، وكندا، والولايات المتحدة (من خلال ألاسكا)، والنرويج، والدانمارك تطالب جميعها بحصة من «الكعكة القطبية». كما أن بقية المجتمع الدولي تطالب أيضاً باستخدام واسع وشامل لذاك الجزء من المحيط القطبي.
وللتعاطي مع هذه الحدود المتداخلة في بيئة عمل معادية، تم إنشاء «المجلس القطبي» في 1996 من خلال «إعلان أوتاوا». وإضافة إلى الدول الخمس التي ترتبط بالقطب الشمالي، تكمل فنلندا وآيسلاندا والسويد مجموعةَ الثمانية. كما يشارك في المجلس ممثلو الشعوب الأصلية، ودول مراقبة، ومنظمات غير حكومية.
ولكن على نحو متزايد، تحاجج الصين بأنها «دولة شبه قطبية». ولدى الصين معسكرات منجمية في جرينلاند، ولهذا، فإن اهتمامها قد يكمن بشكل رئيسي في الوصول إلى الموارد. ولكن الأمر قد يكون أيضاً مجرد مناورة للحصول على مقعد إلى الطاولة، وربما حتى استراتيجية لإزاحة الولايات المتحدة من هناك في نهاية المطاف.
ومن جانبها، اتخذت روسيا منذ سنوات موقفاً مطالباً بسيادة خاصة على القطب الشمالي. وما الإطلاق الصاروخي الذي قامت به الأسبوع الماضي، سوى أحدث محاولة من جانبها لفرض السيادة. ففي أغسطس 2007، قامت روسيا بنصب «علمها» على قاع البحر في القطب الشمالي. وفي وقت سابق من هذه السنة، نشرت نظام دفاع صاروخياً في المنطقة. كما قامت بتوسيع قدراتها العسكرية في سيبيريا الشمالية وترقيتها.
ويستند الادعاء الروسي إلى مواضيع غامضة ومبهمة حول عمق المياه التي تربط البلاد بالقطب. غير أنه من المثير للارتياب أن القواعد بخصوص الحدود الإقليمية السيادية - المستمدة من «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» التي وقعت في 1982 – تمنح روسيا بالفعل أسساً لذاك الادعاء. غير أن ما يزيد الأمور تعقيداً هو حقيقة أن الولايات المتحدة لم تنضم بعد إلى تلك الاتفاقية بسبب حسابات سياسية ضيقة في مجلس الشيوخ، حيث أحبط ستةُ أعضاء محاولات الانضمام، رغم أن معظم أعضاء المجلس يؤيدونها.
وعلى كل حال، فليس ثمة شك في أن روسيا ترغب في إعادة رسم الحدود الإقليمية للمنطقة القطبية. ولكن ما ليس واضحاً هو إلى أي مدى هي مستعدة للذهاب في هذا الموضوع، علماً بأنها لديها وجود مادي مهيمن في الدائرة القطبية، حيث تمتلك أكبر أسطول لكاسحات الجلود وسفناً أخرى قادرة على الاشتغال هناك حتى الآن.
كل هذا يجعل القطب الشمالي لعبة استراتيجية خطيرة وذات رهانات كبيرة. إذ تخيل كيف سيكون شكل العالم في حال استولت روسيا على القطب الشمالي، أو ربما عمدت إلى نصب نوع من المنصات أو جزيرة اصطناعية للارتفاع فوق السطح. ثم إن الإطلاق الصاروخي الأخير لا يؤدي إلا إلى جعل المنطقة أكثر دينامية وتوتراً.
إن كل الدول لديها اهتمام بـ«المناطق القطبية العليا» بسبب ارتباطها بسلسلة الإمداد العالمية. ولأنه لا توجد يابسة بالقرب من القطب الشمالي، فإن هذا الوضع غامض ومتحرك بشكل خاص. ولهذا، يجب على زعماء العالم حسمه حول طاولة مفاوضات أو محفل دولي، بدلاً من حله بوساطة السفن الحربية والصواريخ.
وبغض النظر عما إنْ كان الأمر يتعلق بلعبة شطرنج أو بدبٍّ شرس يريد تحديد منطقته، فإن تطورات المنطقة القطبية جديرة باهتمام العالم. وأول ما ينبغي للولايات المتحدة أن تفعله هو الانضمام إلى اتفاقية «قانون البحار» كمشارك كامل، حتى يكون لدينا مقعد قوي حول الطاولة، ولكن أيضاً حتى نستطيع تأكيد مطالباتنا برصيف قاري ممتد في المنطقة القطبية وفي أماكن أخرى قبالة سواحلنا.
جون إنجلندر
عالم محيطات أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»